الجمعة، 14 سبتمبر 2012

شعر في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم




فى دمي الحب للنبي يسير *** وبقلبي عشق النبي يثور

وبذكر الحبيب تسكن نفسي *** ولذكر الرسول فاح العبير

فهو الشمس إن أطل ظلام *** وهو الظل إن أطل هجير

وهو الماء طعمه سلسبيل *** وهو الروض فيه زهر نضير

إن ذكرت الحبيب أشعر أن *** النفس والروح للمعالي تطير


ولد النور فالسماء ضياء *** وعلى الأرض قد أحل سرور

فغدت مكة الحبيبة أرضاً *** مهبط الوحي حل فيها البشير

جاء والكون في غياهب ظلم *** مستطير قد طال منه جذور

جاء بالحق من إله البرايا *** وله الله ساند ونصير

فبعزم أرسى العدالة حتى *** صار للعدل صولة وحبور


جاء في الذكر مدحه بثناء *** فكريم الخصال فيه وفير

باسم الثغر في محياه بشرٌ *** وبياضٌِ في وجه طه غزير

في رؤى وجهه البهي سلام *** وأمان لا يعتريه قصور

لمسة منه للسقيم شفاء *** نظرة منه للظلام تنير

كان بالسائل الفقير عطوفاً *** وحنوناً وللضعيف ظهير
كان بالمعدم اليتيم رؤوماً *** ورحيماً والعطف منه بحور

كان في صحبه معلم خيرٍ *** دونه النفس تفتديه نحور

خاتم الرسل ما أجل سناه *** هو نجم لا تحتويه سطور

صاح قل لي هلا تكون رفيقاً *** لرسول من الإله بشير

وعد الكافل اليتيم جواراً *** مع الحبيب في الجنان يطير


وبحورٍ يُشرِحُ الصَدْرَ رؤاها *** وبساتين في رباها قصور

ومياه النهر ينساب رقيقاً *** عسلٌ بعضه وبعضٌ خمور

وإذا شئت حليب ومصفىً *** وإذا شئت فهو ماء نمير

إن في جنة الإله جمالاً *** لم ترى العين قبلها والصدور


ذاك فضل لمن أعان يتيماً *** و إلهي للمحسنين شكور

فامنح العطف لليتيم وقدم *** حسنات تقيك ناراً تمور

إنما يكفل اليتيم نبيل *** وشريف في حناياه ضمير

وصلاتي على ألمحمد طه *** كلما سال في الجبال غدير


الخميس، 13 سبتمبر 2012

نبذة يسيرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم


محمد بن إبراهيم التويجري


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فقد اختلف بنو إسرائيل . وحرفوا وبدلوا في عقيدتهم وشريعتهم فانطمس الحق وظهر الباطل وانتشر الظلم والفساد واحتاجت الأمة إلى دين يحق الحق ويمحق الباطل ويهدي الناس إلى الصراط المستقيم فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه : ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) النحل/64 .

أرسل الله جميع الأنبياء والرسل للدعوة إلى عبادة الله وحده , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور فأولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) النحل/36 .

وآخر الأنبياء والرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده قال تعالى : ( ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) الأحزاب/40 .

وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة كما قال سبحانه : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ًونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) سبأ/28 .

وقد أنزل الله على رسوله القرآن يهدي به الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم قال تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ) إبراهيم/1 .

وقد ولد الرسول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي بمكة عام الفيل الذي جاء أصحابه لهدم الكعبة فأبادهم الله وتوفي أبوه وهو في بطن أمه ولما ولد محمد أرضعته حليمة السعدية ثم زار أخواله في المدينة مع أمه آمنة بنت وهب وفي طريق العودة إلى مكة توفيت أمه بالأبواء وعمره ست سنين ثم كفله جده عبد المطلب فمات وعمر محمد ثمان سنين ثم كفله عمه أبو طالب يرعاه ويكرمه ويدافع عنه أكثر من أربعين سنة وتوفي أبو طالب ولم يؤمن بدين محمد خشية أن تعيره قريش بترك دين آبائه .

وكان محمد في صغره يرعى الغنم لأهل مكة ثم سافر إلى الشام بتجارة لخديجة بنت خويلد وربحت التجارة وأعجبت خديجة بخلقه وصدقه وأمانته فتزوجها وعمره خمس وعشرون سنة وعمرها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت .

وقد أنبت الله محمداً صلى الله عليه وسلم نباتاً حسناً وأدبه فأحسن تأديبه ورباه وعلمه حتى كان أحسن قومه خَلقاً وخُلقاً وأعظمهم مروءة وأوسعهم حلماً وأصدقهم حديثاً وأحفظهم أمانة حتى سماه قومه بالأمين .

ثم حُبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء الأيام والليالي يتعبد فيه ويدعو ربه وأبغض الأوثان والخمور والرذائل فلم يلتفت إليها في حياته .

ولما بلغ محمداً صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شارك قريشاً في بناء الكعبة لما جرفتها السيول فلما تنازعوا في وضع الحجر الأسود حكموه في الأمر فدعا بثوب فوضع الحجر فيه ثم أمر رؤساء القبائل أن يأخذوا بأطرافه فرفعوه جميعاً ثم أخذه محمد فوضعه في مكانه وبنى عليه فرضي الجميع وانقطع النزاع .

وكان لأهل الجاهلية صفات حميدة كالكرم والوفاء والشجاعة وفيهم بقايا من دين إبراهيم كتعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة وإهداء البدن وإلى جانب هذا كانت لهم صفات وعادات ذميمة كالزنا , وشرب الخمور وأكل الربا وقتل البنات والظلم , وعبادة الأصنام .

وأول من غير دين إبراهيم ودعا إلى عبادة الأصنام عمرو بن لحي الخزاعي فقد جلب الأصنام إلى مكة وغيرها ودعا الناس إلى عبادتها ومنها ود , وسواع , ويغوث , ويعوق, ونسرا .

ثم اتخذ العرب أصناماً أخرى ومنها صنم مناة بقديد واللات بالطائف والعزى بوادي نخلة وهبل في جوف الكعبة وأصنام حول الكعبة وأصنام في بيوتهم واحتكم الناس إلى الكهان والعرافين والسحرة .

ولما انتشر الشرك والفساد بهذه الصورة بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنة يدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام فأنكرت عليه قريش ذلك وقالت : ( أجعل الآلهة ألهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ) ص/5 .

وظلت هذه الأصنام تعبد من دون الله حتى بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد فكسرها وهدمها هو وأصحابه رضوان الله عليهم فظهر الحق وزهق الباطل : ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ) الإسراء/81 .

وأول ما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء الذي كان يتعبد فيه حيث جاءه جبريل فأمره أن يقرأ فقال الرسول ما أنا بقارئ فكرر عليه وفي الثالثة قال له : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ) العلق/1-2-3 .

فرجع الرسول , وفؤاده يرجف , ودخل على زوجته خديجة ثم أخبرها وقال لقد خشيت على نفسي فطمأنته وقالت : ( والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم , وتحمل الكل , وتقرى الضيف , وتكسب المعدوم , وتعين على نوائب الحق ) ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر فلما أخبره بشره وقال له هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى وأوصاه بالصبر إذا آذاه قومه وأخرجوه .

ثم فتر الوحي مدة فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم فبينما هو يمشي يوماً إذ رأى الملك مرة أخرى بين السماء والأرض فرجع إلى منزله وتدثر فأنزل الله عليه : ( يا أيها المدثر ، قم فأنذر ) المدثر/1-2 , ثم تتابع الوحي بعد ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم .

أقام النبي في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعوا إلى عبادة الله وحده سراً ثم جهراً حيث أمره الله أن يصدع بالحق فدعاهم بلين ولطف من غير قتال فأنذر عشيرته الأقربين ثم أنذر قومه ثم أنذر من حولهم ثم أنذر العرب قاطبة ثم أنذر العالمين . ثم قال سبحانه : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) الحجر/94 .

وقد آمن بالرسول قلة من الأغنياء والأشراف والضعفاء والفقراء والعبيد رجالاً ونساءً وأوذي الجميع في دينهم فعُذِّبَ بعضهم وقتل بعضهم , وهاجر بعضهم إلى الحبشة فراراً من أذى قريش وأوذي معهم الرسول صلى الله عليه وسلم فصبر حتى أظهر الله دينه .

ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خمسين سنة ومضى عشر سنوات من بعثته مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه من أذى قريش ثم ماتت من بعده زوجته خديجة التي كانت تؤنسه فاشتد عليه البلاء من قومه وتجرؤا عليه وآذوه بصنوف الأذى وهو صابر محتسب . صلوات الله وسلامه عليه .

ولما اشتد عليه البلاء وتجرأت عليه قريش خرج إلى الطائف ودعا أهلها إلى الإسلام فلم يجيبوه , بل آذوه ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه , فرجع إلى مكة وظل يدعوا الناس إلى الإسلام في الحج وغيره .

ثم أسرى الله برسوله ليلا ًمن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكباً على البراق بصحبة جبريل , فنزل وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء الدنيا فرأى فيها آدم , وأرواح السعداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن شماله ثم عرج به إلى السماء الثانية فرأى فيها عيسى ويحيى ثم إلى الثالثة فرأى فيها يوسف ثم إلى الرابعة فرأى فيها إدريس ثم إلى الخامسة فرأى فيها هارون ثم إلى السادسة فرأى فيها موسى ثم إلى السابعة فرأى فيها إبراهيم ثم رفع إلى سدرة المنتهى ثم كلمه ربه فأكرمه وفرض عليه وعلى أمته خمسين في اليوم والليلة ثم خففها إلى خمس في العمل وخمسين في الأجر واستقرت الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة إكراماً منه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى مكة قبل الصبح فقص عليهم ما جرى له فصدقه المؤمنون وكذبه الكافرون : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) الإسراء/1 .

ثم هيأ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من ينصره فالتقى في موسم الحج برهط من المدينة من الخزرج فأسلموا ثم رجعوا إلى المدينة , ونشروا فيها الإسلام فلما كان العام المقبل صاروا بضعة عشر فالتقى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم فلما انصرفوا بعث معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن , ويعلمهم الإسلام فأسلم على يديه خلق كثير , منهم زعماء الأوس سعد بن معاذ , وأسيد بن حضير .

فلما كان العام المقبل وجاء موسم الحج خرج منهم ما يزيد على سبعين رجلاً من الأوس والخزرج فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن هجره وآذاه أهل مكة , فواعدهم الرسول في إحدى ليالي التشريق عند العقبة فلما مضى ثلث الليل خرجوا للميعاد فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ولم يؤمن إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه فتكلم العباس , والرسول , والقوم بكلام حسن ثم بايعهم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يهاجر إليهم في المدينة على أن يمنعوه , وينصروه ويدافعوا عنه , ولهم الجنة فبايعوه واحداً, واحدا ً, ثم انصرفوا ثم علمت بهم قريش فخرجوا في طلبهم , ولكن الله نجاهم منهم , وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة إلى حين : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) الحج/40 .

ثم أمر الرسول أصحابه بالهجرة إلى المدينة فهاجروا أرسالاً إلا من حبسه المشركون ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله وأبو بكر وعلي فلما أحس المشركون بهجرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خافوا أن يلحق بهم فيشتد أمره فتآمروا على قتله فأخبر جبريل رسول الله بذلك فأمر الرسول علياً أن يبيت في فراشه , ويرد الودائع التي كانت عند الرسول صلى الله عليه وسلم لأهلها وبات المشركون عند باب الرسول ليقتلوه إذا خرج فخرج من بينهم وذهب إلى بيت أبي بكر بعد أن أنقذه الله من مكرهم وأنزل الله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) الأنفال/30 .

ثم عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة , فخرج هو وأبو بكر إلى غار ثور ومكثا فيه ثلاث ليال واستأجرا عبد الله بن أبي أريقط وكان مشركاً ليدلهما على الطريق , وسلماه راحلتيهما فذعرت قريش لما جرى وطلبتهما في كل مكان , ولكن الله حفظ رسوله فلما سكن الطلب عنهما , ارتحلا إلى المدينة فلما أيست منهما قريش بذلوا لمن يأتي بهما أو بأحدهما مائتين من الإبل فجد الناس في الطلب وفي الطريق إلى المدينة , علم بهما سراقة بن مالك وكان مشركاً فأرادهما فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه في الأرض فعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ممنوع , وطلب من الرسول أن يدعوا له ولا يضره فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم , فرجع سراقة , ورد الناس عنهما ثم أسلم بعد فتح مكة .

فلما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كبر المسلمون فرحاً بقدومه واستقبله الرجال والنساء والأطفال فرحين مستبشرين فنزل بقباء وبنى هو والمسلمون مسجد قباء وأقام بها بضع عشرة ليلة ثم ركب يوم الجمعة فصلاها في بني سالم بن عوف ثم ركب ناقته ودخل المدينة والناس محيطون به , آخذون بزمام ناقته لينزل عندهم , فيقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها مأمورة فسارت حتى بركت في موضع مسجده اليوم .

وهيأ الله لرسوله أن ينزل على أخواله قرب المسجد فسكن في منزل أبي أيوب الأنصاري , ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتي بأهله وبناته وأهل أبي بكر من مكة فجاءوا بهم إلى المدينة .

ثم شرع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بناء مسجده في المكان الذي بركت فيه الناقة وجعل قبلته إلى بيت المقدس وجعل عمده الجذوع وسقفه الجريد ثم حولت القبلة إلى الكعبة بعد بضعة عشر شهراً من مقدمه المدينة .

ثم آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ووادع الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود وكتب بينه وبينهم كتاباً على السلم والدفاع عن المدينة وأسلم حبر اليهود عبد الله بن سلام وأبى عامة اليهود إلا الكفر وفي تلك السنة تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها .

وفي السنة الثانية شرع الأذان وصرف الله القبلة إلى الكعبة ، وفرض صوم رمضان .

ولما استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وأيده الله بنصره والتف المهاجرون والأنصار حوله واجتمعت القلوب عليه عند ذلك رماه المشركون , واليهود والمنافقون عن قوس واحدة فآذوه وافتروا عليه وبارزوه بالمحاربة والله يأمره بالصبر و العفو والصفح فلما اشتد ظلمهم وتفاقم شرهم , أذن الله للمسلمين بالقتال , فنزل قوله تعالى : ( أذن للذين يُقاتِلون بأنهم ظُلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير ) الحج/39 .

ثم فرض الّله على المسلمين قتال من قاتلهم فقال : ( و قاتلوا في سبيل الّله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الّله لا يحب المعتدين ) البقرة/190 .

ثم فرض الله عليهم قتال المشركين كافة فقال : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) التوبة/36 .

فقام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله ورد كيد المعتدين ودفع الظلم عن المظلومين وأيده الله بنصره , حتى صار الدين كله لله فقاتل المشركين في بدر في السنة الثانية من الهجرة في رمضان فنصره الله عليهم وفرق جموعهم وفي السنة الثالثة غدر يهود بني قينقاع فقتلوا أحد المسلمين فأجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المدينة إلى الشام ثم ثأرت قريش لقتلاها في بدر , فعسكرت حول أحد في شوال من السنة الثالثة ودارت المعركة وعصى الرماة أمر الرسول , فلم يتم النصر للمسلمين وانصرف المشركون إلى مكة ولم يدخلوا المدينة .

ثم غدر يهود بني النضير وهموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بإلقاء الحجر عليه فنجاه الله , ثم حاصرهم في السنة الرابعة وأجلاهم إلى خيبر .

وفي السنة الخامسة غزا الرسول صلى الله عليه وسلم بني المصطلق لرد عدوانهم , فانتصر عليهم وغنم الأموال والسبايا ثم سعى زعماء اليهود في تأليب الأحزاب على المسلمين للقضاء على الإسلام في عقر داره . فاجتمع حول المدينة المشركون والأحباش وغطفان اليهود ثم أحبط الله كيدهم ونصر رسوله والمؤمنين : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً ) الأحزاب/25 .

ثم حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة لغدرهم , ونقضهم العهد فنصره الله عليهم فقتل الرجال وسبى الذرية وغنم الأموال .

وفي السنة السادسة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على زيارة البيت والطواف به فصده المشركون عنه ، فصالحهم في الحديبية على وقف القتال عشر سنين ، يأمن فيها الناس ويختارون ما يريدون فدخل الناس في دين الله أفواجاً .

وفي السنة السابعة غزا الرسول خيبر للقضاء على زعماء اليهود الذين آذوا المسلمين ، فحاصرهم ونصره الله عليهم وغنم الأموال والأرض وكاتب ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام .

وفي السنة الثامنة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة زيد بن حارثه لتأديب المعتدين ولكن الروم جمعوا جيشاً عظيماً فقتلوا قواد المسلمين وأنجى الله بقية المسلمين من شرهم .

ثم غدر كفار مكة فنقضوا العهد فتوجه إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بجيش عظيم وفتح مكة ، وطهر بيته العتيق من الأصنام ، وولاية الكفار .

ثم كانت غزوة حنين في شوال من السنة الثامنة لرد عدوان ثقيف وهوازن فهزمهم الله وغنم المسلمون مغانم كثيرة ثم واصل الرسول صلى الله عليه وسلم مسيره إلى الطائف وحاصرها ، ولم يأذن الله بفتحها فدعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وانصرف ، فأسلموا فيما بعد ثم رجع ووزع الغنائم ، ثم اعتمر هو وأصحابه ثم خرجوا إلى المدينة .

وفي السنة التاسعة كانت غزوة تبوك في زمان عسرة وشدة وحر شديد فسار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك لرد كيد الروم فعسكر هناك ، ولم يلق كيداً وصالح بعض القبائل ، وغنم ثم رجع إلى المدينة وهذه آخر غزوة غزاها عليه الصلاة و السلام وجاءت في تلك السنة وفود القبائل تريد الدخول في الإسلام و منها وفد تميم ووفد طيء ووفد عبد القيس ، ووفد بني حنيفة وكلهم أسلموا ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يحج بالناس في تلك السنة وبعث معه علياً رضي الله عنه وأمره أن يقرأ على الناس سورة براءة للبراءة من المشركين وأمره أن ينادي في الناس فقال علي يوم النحر : ( يا أيها الناس لا يدخل الجنة كافر ، و لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته ) .

وفي السنة العاشرة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على الحج , و دعا الناس إلى ذلك فحج معه من المدينة وغيرها خلقٌ كثير فأحرم من ذي الحليفة , و وصل إلى مكة في ذي الحجة وطاف وسعى وعلم الناس مناسكهم وخطب الناس بعرفات خطبة عظيمة جامعة , قرر فيها الأحكام الإسلامية العادلة فقال : ( أيها الناس اسمعوا قولي , فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا , أيها الناس إن دماءكم , وأموالكم , وأعراضكم حرام عليكم , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا , ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع , ودماء الجاهلية موضوعة , وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث , كان مسترضعاً في بني سعد , فقتلته هذيل . وربا الجاهلية موضوع , وأول ربا أضع ربا عباس بن عبد المطلب , فإنه موضوع كله , فاتقوا الله في النساء , فإنكم أخذتموهن بأمان الله , واستحللتم فروجهن بكلمة الله , ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه , فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح , ولهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف , وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله , وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون , قالوا نشهد أنك قد بلَّغت , وأديت , ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد , اللهم اشهد ثلاث مرات ) .

ولما أكمل الله هذا الدين , وتقررت أصوله , نزل عليه وهو بعرفات : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) المائدة/3 .

وتسمى هذه الحجة حجة الوداع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ودع فيها الناس , ولم يحج بعدها ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من حجه إلى المدينة .

وفي السنة الحادية عشرة في شهر صفر بدأ المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم ولما اشتد عليه الوجع أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلى بالناس وفي ربيع الأول , زاد عليه المرض فقبض صلوات الله وسلامه عليه ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة فحزن المسلمون لذلك حزناً شديداً ثم غُسل وصلى عليه المسلمون يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء ودفن في بيت عائشة والرسول قد مات ودينه باق إلى يوم القيامة .

ثم اختار المسلمون صاحبه في الغار ورفيقه في الهجرة أبا بكر رضي الله عنه خليفة لهم ثم تولى الخلافة من بعده عمر ثم عثمان ثم علي وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون المهديون رضوان الله عليهم أجمعين .

وقد امتنّ الله على رسوله محمد بنعم عظيمة وأوصاه بالأخلاق الكريمة كما قال سبحانه : ( ألم يجدك يتيماً فآوى ، ووجدك ضالاً فهدى ، ووجدك عائلاً فأغنى ، فأما اليتيم فلا تقهر ، وأما السائل فلا تنهر ، وأما بنعمة ربك فحدث ) الضحى/6-11 .

وقد أكرم الله رسوله بأخلاق عظيمة لم تجتمع لأحدٍٍ غيره حتى أثنى عليه ربه بقوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) القلم/4 .

وبهذه الأخلاق الكريمة , والصفات الحميدة , استطاع عليه السلام أن يجمع النفوس ويؤلف القلوب بإذن ربه : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) آل عمران/159 .

وقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة وأنزل عليه القرآن وأمره بالدعوة إلى الله كما قال سبحانه : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) الأحزاب/46 .

وقد فضل الله رسوله محمداً على غيره من الأنبياء بست فضائل كما قال صلى الله عليه وسلم : ( فضلت على الأنبياء بست , أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب , وأحلت لي الغنائم , وجعلت لي الأرض طهوراً و مسجداً , وأرسلت إلى الناس كافة , وختم بي النبيون ) . رواه مسلم/523 .

فيجب على جميع الناس الإيمان به , و اتباع شرعه , ليدخلوا جنة ربهم : ( ومن يطع الله و رسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ) النساء/13 .

وقد أثنى الله على من يؤمن بالرسول من أهل الكتاب وبشرهم بالأجر مرتين كما قال سبحانه : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ، أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ) القصص/52 -54 . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه و صدقه فله أجران . الخ ) .

ومن لم يؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر , والكافر جزاؤه النار كما قال سبحانه : ( ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً ) الفتح/13 , وقال عليه الصلاة و السلام : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاَّ كان من أصحاب النار ) . رواه مسلم/154 .

و الرسول صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم إلا ما علمه الله ولا يعلم الغيب ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً كما قال سبحانه : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلاَّ نذير وبشير لقوم يؤمنون ) الأعراف/188 .

وقد أرسله الله بالإسلام ليظهره على الدين كله : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً ) الفتح/28 .

ومهمة الرسول هي إبلاغ ما أرسل به , والهداية بيد الله : ( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ ) الشورى/48 .

ولما للرسول صلى الله عليه وسلم من فضل عظيم على البشرية , بدعوتها إلى هذا الدين وإخراجها من الظلمات إلى النور , فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر وأمرنا بالصلاة عليه في حالات كثيرة فقال سبحانه : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليماً ) الأحزاب/21 .

وقد جاهد النبي عليه الصلاة و السلام في سبيل نشر هذا الدين وجاهد أصحابه معه فعلينا الاقتداء به واتباع سنته و السير على هديه كما قال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً ) الأحزاب/21 .

والإسلام دين الفطرة و العدل دين ارتضاه الله للناس كافة وهو يشتمل على أصول و فروع و آداب و أخلاق و عبادات و معاملات ولن تسعد الأمة إلا باتباعه والعمل به ولن يقبل الله من الناس غيره كما قال سبحانه : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران/85 .

اللهم صلّ على محمد , وعلى آل محمد , كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .


من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري .

موقع الإسلام سؤال وجواب

السبت، 8 سبتمبر 2012

ظلال الورقة البيضاء






ضلال الورقة البيضاء

يتوقف به الزمن عند أول محطات السفر ،يرحل به عبر مسافات الألم دون جوازات،ويطارده الماضي لاهثا بين كل الحدود ،ضجيج الذكرى يؤرقه بكلمات انتهت صلاحيتها،ولا زالت تزدحم داخله،لتتحرش به مسودات الزمن وتوقّعه جملة تائهة بين سطور ماض انتحر و حاضر ينازع سكراته...
لا زال يهذي في تنهداته السرية،في ألامه الصامتة،في صمت براكينه الجوفية الخامدة التي يحرمها من حقها الشرعي في الانفجار ،يتعجب بابتسامات ساخرة ،ويستخدم فنا عجيبا في المزج بين مشاعر متضاربة بين ابتسام حزين وغضب بارد وحيرة تملاها الثقة.
وبذهول تساءل  كيف انتهى ذلك الأمس بخيبة كانت على حافة انتصار،خيبة لا زالت تنهش بشراهة  كبد الذاكرة المتورمة،تستفزها لتخرس صرخات النسيان الذي وجد نفسه فجأة على هامش حياة رجل يشعل الجراح مدفأة لها،لذاكرة أصابها زكام الحيرة  ...
هناك أحداث خلقت لتعشش في الذاكرة ،لتتشبث بخلاياها،لتتسلل عبر ثغرات الألم وتسكنها،لا يمكن للنسيان أن يخترقها ،لا لشيء سوى لأنها تربعت بكل ثقلها على عرش الذاكرة .
مد يده ليصافح اليأس من جديد بعدما كان قد عقد صفقته الفاشلة مع الأمل ،صار يؤمن بأنه لا صفقة ناجحة دون أن يكون الحزن شاهدا على توقيعها ،ولا عجب أن يكتسي بكل هذا التشاؤم بعدما وضعه القدر ضمن حساباته العبثية.
جلس أمام النافذة يجتر آلامه ،يطل من شرفته على كل البشر الذين كان في يوم ما ينتمي إليهم قبل أن يتحول إلى كومة مبعثرة من المشاعر المضطربة...
انقطع فجأة عن التفكير عندما رن جرس الباب...
لم يكترث له ،ولم يكن على استعداد لفتحه ولا لرؤية احد،لكن إلحاح الطارق على الدخول وكأنه كان يريد أن يقتحم عالمه المبعثر بجراح الأمس وصداع اليوم جعله يغير رأيه.
جاء صوته بكتلة من التساؤلات: لم تأخرت عن فتح الباب،هل كنت مشغولا أم انك لا تريد رؤية احد،وبعد شيء من الصمت أضاف:مع أني لا أتمنى الثانية...
رد عليه بنبرة تخلو من أي تعبير أو مفاجئة لرؤية صديق مضى على لقياه الكثير:أهلا بك يا عادل ،تفضل...ثم صمت قليلا هو الآخر وقال بسخرية : لكن كيف حدث وتذكرتني...
أ هكذا تعودت على استقبال ضيوفكـ، أنت تشعرني وكأني ضيف ثقيل ...
ظل صامتا دون جواب دون أن ينفي اتهام عادل،وكأن صمته كان تأكيدا له على ثقل دمه ،ثم أشعل سيجارته وراح ينفث دخانها ببطء ،و قال ببرودة والسيجارة تتأرجح بين أصابعه:دعك مني وقلي عن سبب زيارتك.
رفع عادل عينيه مستنكرا كأنه لا يصدق ما يسمع ،ولم يغب عنه طريقة تعامل صديقه الجافة لكنه تجاهل ذلك ،و ابتسم بلطف دون أن يظهر عليه أي انزعاج من كلامه وقال:لم أكن اعلم أن الإنسان يحتاج لسبب وجيه حتى يزور أصدقاءه،خاصة المقربين منهم إليه،قبل دقيقة من الآن كنت اضن أن لي مكانة اكبر عندك .
أتى صوت خالد غائبا بنبرة حزن اكتسحت وجهه ونظر إليه قائلا:لقد قلتها بنفسك الأصدقاء المقربون ،لكن أين هم الآن ،أين هم وقت حاجتنا إليهم،أنت نفسك قلي كم مضى من الوقت دون أراك ،سنتان ،ثلاثة،أربعة ،قلي كم ؟ لكثرة ابتعادكم عني صارت الوحدة أفضل بالنسبة لي ،ولست أبالغ إن قلت أني لم اعد ارغب برؤية احد.
أنا أرى عكس ما تقول،واضن انك أنت الذي اخترت تلك العزلة ،وحاصرت نفسك بالوحدة ،ولم تترك المجال لأحد ليسال عنك،فلا تلم الآخرين على شيء تفعله أنت بنفسك،أما بالنسبة لي فقد كنت مسافرا ،وعدت البارحة فقط إلى الجزائر،وأنت أول شخص أزوره بعد عودتي من فرنسا ،وقد كنت أحاول الاتصال بك لكن هاتفك كان مغلقا دائما.
اطرق خالد برأسه في الأرض دون اعتراض على ما كان يقوله عادل في حين باغته هذا الأخير بسؤال قائلا:
هل يمكن أن أتطفل عليك واعرف ما بك ،ما الذي حصل لك ،لقد تغيرت كثيرا ،ثم لم كل هذا الحزن الذي يحيط بك؟.
تنهد خالد و هو يشعل سيجارة أخرى ،ووقف أمام نافذة تطل على الشارع ،وظهره مقابل لعادل وهو يتأمل المارين في الطريق بعين منكسرة يصرخ منها الحزن،ثم قال:كان يوما جميلا ،أو هكذا كان يبدو
استيقظت بنشاط كعادتي ،تناولت فطوري ،وبدأت أجهز نفسي للذهاب للعمل،وطلبت من زوجتي أن تجهز ابني عمر لأخذه إلى مدرسته ،كان كل شيء يسير كما جرت العادة ،يوم كباقي الأيام يقتله الروتين،وتختفي تفاصيله بين ثنايا التكرار، لا شيء يميزه ليبقى في حيز الذاكرة كحدث مثير ،أو هكذا كنت اضن، لكن القدر كان له رأي مخالف فقد كان يخبئ لي مفاجئة من نوع خاص.
أخذت الطفل إلى مدرسته وذهبت إلى عملي،ولكثرة انشغالي اضطررت للتأخر قليلا فاتصلت بزوجتي وطلبت منها أن تحضر الطفل من مدرسته لعدم قدرتي على ذلك،وقبل أن انهي عملي طلب مني المدير أن أقابله في مكتبه ،وبالفعل ذهبت إليه وهناك فاجئني بخبر سار،اخبرني بأنه قد تم اختياري من بين كل الموظفين لبعثة إلى أوربا ،وقد وقع الاختيار علي لاني كنت من أكفئ الموظفين ونظرا للمجهودات التي ابذلها في العمل ،كدت أطير من الفرح فقد كنت انتظر هذا الخبر منذ زمن طويل،كانت هذه البعثة بمثابة باب فتح من الجنة ،كانت ستنقلني نقلة أخرى لاني كنت سأواصل تعليما أجنبيا عاليا ،وبالتالي سيتطور عملي وستتغير حياتي للأفضل ،وقعت على قبولي للبعثة وأنا غير مصدق من شدة الفرح،وعدت لأتابع عملي عندما رن هاتفي:كانت زوجتي هي المتصل ،أجبت بسرعة وأنا مسرور لأنقل لها خبر البعثة.
وهنا كانت الصدمة كان المتحدث من هاتفها  رجلا .
قال بنبرة صارمة :هل أنت السيد خالد؟
اضطربت لسماع الصوت وتلعثم لساني وقلت بقلق:
نعم أنا خالد،من معي...
جاء صوته برصاصة قاتلة،قضت على  فرحتي التي لم تدم طويلا قبل أن تقتلني بكاتم صوت.
ارجوا منك أن تحضر حالا إلى قسم الشرطة .
أجبت وقلبي يدق بشدة:قسم الشرطة؟لماذا..ما الذي حدث ،ماذا فعلت زوجتي ؟
رد الضابط:تعال إلى القسم وستعرف.
ذهبت مسرعا إلى القسم وهناك قابلني الضابط ورحب بي،سألته بانفعال ما الذي حدث؟ أين زوجتي؟
خفض عينيه للأرض وصمت قليلا...
لكني اندفعت إليه كالمجنون وأنا اسأل :ما الذي حدث؟
عندها قال بكلمات مضطربة : يؤسفني أن انقل إليك خبر وفاة زوجتك وابنك في حادث هذا الصباح،لقد اصطدمت سيارة الأجرة التي كانت فيها مع الطفل بشاحنة نقل للسلع،لم ينجو احد من ذلك الحادث زوجتك والطفل والسائق وحتى سائق الشاحنة،لقد كان حادثا مرعبا.
نزل الخبر على أذني كالصاعقة،وبدأت اصرخ مستنكرا وأنا اتهم الضابط بالكذب ،فقدت أعصابي وتوازني ولم اعد اذكر شيئا بعدها،سوى أني كنت كالمجنون أو علي أن الغي أداة التشبيه الكاف تلك ،فلا شيء فعلته حينها يدل على أني شخص متزن ،سواء  في قسم الشرطة أو في الجنازة وحتى في المقبرة،ولولا لطف الله لكنت الآن في مصحة الأمراض العقلية.
مضى عام كامل وأنا لا اعرف مكانا غير هذا المنزل والمقبرة ،هجرت كل شيء الأهل والأصدقاء ،وحتى العمل تركته.كانت صدمة قاسية لم استطع تقبلها خاصة مع مكر القدر الذي جهزني لجنون أنيق أعده لسهرة سخرية فاخرة ،عندما جعلني أتذوق طعم الفرح والحزن من طبق واحد ،في يوم واحد،وبنكهة خاصة تحمل طعما مستفزا من التناقضات.
.ابتسم القدر بسخرية و هو يناولني آخر هداياه عندما أعادني أعزبا مرة أخرى في حياة كنت في يوم ما فيها زوجا ثم أبا،لماذا اختار القدر ذلك اليوم بالذات ليتسلى بي،فيمنحني حلما بيد ويسلب مني واقعا باليد الأخرى،ومن ألوم في كل هذا؟حظي العاثر أم قدري المشاكس الذي يحاول أن يلعب معي لعبة النرد،فيرميني كل مرة في مكان عبثي يختاره للألم...
كان عادل يستمع له بكل حواسه،التي كانت تشاركه التعجب والحسرة ،لم يستطع إخفاء دهشته لما حدث لصديقه،وربما عذره في تلك اللحظة على ما يفعله بنفسه ،لكنه ضل صامتا دون أن ينطق بأي كلمة ،مرت دقائق وكلامهما صامت يبتلع بعض الحروف التي أرادت أن تنزلق من شفاههما...
قام عادل من مكانه وهو يسير ويتجول بعينيه في المنزل،كان كئيبا ،اندس الحزن في كل دهاليزه ،الصمت يعشش في جدرانه، والظلام يطوقه باعثا للتشاؤم واليأس...
كان يسير وهو يلتفت يمينا وشمالا ،ونظرات خالد تتبعه بدهشة وفضول،ثم اتجه نحو نوافذ المنزل يفتحها ،والنور يتسلل إلى المنزل بخجل وبطء ،ثم سار بضع خطوات نحو خالد ونزع السيجارة من يده وأطفئها وهو يقول:
وماذا بعد؟
أجابه خالد بنظرة استغراب وبصمت مكدس بكلمات غائبة ،كأنه أراد أن يقول ماذا تقصد؟.
اقصد كيف ستقضي بقية حياتك؟هل تنوي البقاء في هذا الجو طويلا،لا أنكر أن ما حدث معك لم يكن شيئا سهلا،وانه يفوق طاقة الإنسان،لكن هذا لا يعني أن يستسلم المرء لقدره بهذه السهولة دون أن يعيد الوقوف من جديد،الانهزامية واليأس هما مقبرة الروح،ومحاولة الهروب من القدر هو عودة إليه لكن من طريق مختصرة ،قد تكون بتلك المسافة القصيرة قد اختصرت على نفسك الكثير من المحطات التي ربما كانت ستوصلك لأبواب السعادة ،وأنت تحرم نفسك الكثير من تلك الفرص بهذا الانطواء واليأس،صحيح أن المرء لا يختار قدره،لكنه يستطيع أن يختار طريقة حياته،وطالما نعيش في هذه الحياة فإننا سنرى الكثير،ما اعلمه عنك انك إنسان طموح لا يستسلم بسهولة،لكن ما أراه الآن لا يدل على ذلك فقد تخليت عن كل شيء أمام أول مواجهة حقيقية مع الحياة .
معك حق ،تتحدث بكل سهولة ،فالذي قدمه في الماء ليس مثل التي في النار.
حرك عادل رأسه نافيا كلام خالد وهو  يقول:في الحياة كلنا تمر علينا فترة نضطر فيها للمشي حفاة فوق النار ،لكن هناك من يقبل أن يبقى فيها للأبد،و لا يرضى الخروج منها بأقل الخسائر بإحراق قدميه فقط،بل يستمر في إحراق نفسه ،وكأنه يتلذذ بفعل ذلك وهذا ما تفعله أنت،ثم صمت قليلا وسار نحو المكتب ،فتح درجه وتناول ورقة وقلما اسود وانحنى يكتب شيئا فيها ،وخالد ينظر إليه باستغراب،ثم تقدم منه و هو يحمل الورقة في يده وقدمها له،ونظرات التعجب تزداد في عيني صديقه ثم قال له،ماذا ترى في الورقة.
نظر إليه خالد طويلا وهو صامت كمن يستغرب سؤالا تافها في غير محله،ثم قال بسخرية:نقطة سوداء...
ابتسم عادل وهو يسحب الورقة من يده،قائلا:توقعت هذه الإجابة...
لكن لم ألغيت كل ذلك البياض في الورقة،وانتبهت فقط لتلك النقطة الصغيرة السوداء؟
لم يضف كلمة أخرى وغادر المنزل وسط ذهول خالد الذي بقي جاثما في مكانه لحظات وكلمات عادل ترن في أذنيه،بعدما فهم الرسالة التي وجهها له،وسخر من نفسه كيف أهمل كل تلك الجوانب الجميلة في الحياة ونظر إليها من تلك الزاوية الضيقة ،من ثقب مظلم..وجعل حياته كلها نقطة سوداء متجاهلا ذلك الفضاء الأبيض،كيف انطوى بنفسه وابتعد عن الأصدقاء الذين يعطون للحياة معنى آخر،وكيف ترك عمله وتخلى عن طموحاته التي كان يريد بها أن يخترق كل عتبات المستحيل ،وكيف وكيف ...
وجد نفسه فجأة صغيرا بعين نفسه،ضعيفا أمام قدر نظر إليه بسخرية ورد عليه هو باستسلام،وكيف جعله ينتصر عليه ليلغي هو نفسه من قائمة البشر...
بدأت شهيته تنفتح من جديد للحياة،بعدما فقد الكثير من وزن السعادة ،بذاكرة هزيلة لا تعرف غير الألم ولا تقتات إلا قشور الماضي...
هو ذا نفسه يطرق أبواب الأمل من جديد،ويفتح ذراعيه للحياة بعدما كان قد عانق اليأس طويلا،شعاع أنار حياته المظلمة اسمه صديق،ترى ما تعنيه هذه الكلمة في قاموس كل واحد منا في الحياة؟ .
هو القدر نفسه ،يجهزنا لانتصارات ،كما يربكنا بهزائم غير متوقعة،ولكننا بأنانيتنا نسقط الأولى ونتمسك بالثانية ،لنوجه له إصبع الاتهام في كل صدمة نتلقاها وننكر عليه غير ذلك...
استيقظ صباحا على يوم كان من المفروض أن يكون كئيبا،أو هكذا كان سيبدو لولا أن فاجئه القدر بصديق غير حياته،وأحدث له ثورة انقلاب عند منعطف الذاكرة...
قرر أن يعود إلى عمله،وبالرغم من الصعوبات التي تلقاها في سبيل ذلك لأنه كان قد ترك العمل لمدة طويلة إلا انه لم يستسلم هذه المرة،و تحدى كل العقبات إلى أن تحقق هدفه في الأخير ،وعاد إلى عمله بعزيمة اكبر ،ومن يدري فربما يبتسم له القدر مرة أخرى ويتلقى بعثة جديدة.
كما انه أعاد ترميم علاقاته السابقة مع أصدقائه،وكان لعادل المساحة الأكبر في حياته ،لأنه الصديق الذي كان على قدر مسؤولية هذه الكلمة بكل ما تحمله من معاني الصدق والوفاء والصبر .
يمضي الزمن، وتمر  ثلاث سنوات ،تمضي معها أفراح وأحزان ،قدر يبتسم مرة ويكشر عن أنيابه مرات ،فهم خلالها خالد أسلوب الحياة وطريقة القدر في التعامل،وسايرها دون اعتراض .
استيقظ ذات صباح متأخرا،دون أن يشعر برنين المنبه لأنه نام في وقت متأخر بعدما أمضى  ليلته في سهرة مع الأصدقاء  ،وما إن فتح عينيه ونظر إلى الساعة حتى قام فزعا من الفراش ،وجهز نفسه بسرعة ،واتجه نحو سيارته ليشغلها لكنه وجد إحدى عجلاتها مثقوبة،فتركها وأوقف سيارة أجرة وتوجه إلى  العمل حيث كان ينتظره اجتماع مهم، ولكثرة استعجاله نسي الملف الذي كان يحمله ،ونزل من السيارة ،وما كاد يدخل مكتبه حتى انتبه لضياع أوراقه،وتذكر انه نسيها فيها،فخرج مسرعا لكنه وجد السيارة غادرت.
انتبه السائق لوجود الملف في سيارته،وتخيل الحالة التي سيكون فيها صاحبه حينما يعلم بفقدانه ،  فتوجه إلى المكان الذي وضعه فيه ، التفت يمينا وشمالا على أمل أن يراه لكنه لم يلمحه،فقرر الدخول إلى الشركة لكن الحراس منعوه من الدخول،حاول إقناعهم لكنهم رفضوا الاستماع إليه ، وبينما هو خارج انتبه لوجود موظفة على وشك أن تدخل إلى الشركة ،فاتجه إليها وناولها الملف وطلب منها أن تعيده إلى صاحبه.
أخذت  الموظفة الملف وفتحته وقرأت الاسم المكتوب عليه ،وسالت عنه في الشركة،وبعدما استدلت عليه ذهبت إلى مكتبه ووجدته كما توقعت في حالة من القلق ناولته الملف بعدما روت له قصتها مع السائق ،شكرها خالد بامتنان وبعدما زال قلقه على الملف انتبه لشيء آخر،نظر إلى عينيها للمرة الأولى ،فارتجف وهو يتأملها ،وصمت مدة وكل شيء فيه قد توقف عن الحركة إلا قلب دق بسرعة...
خرجت هي من المكتب بعدما أغلقت الباب،ليفتح هو بابا جديدا مع صراع من نوع آخر مع القدر،ترى كيف سينتهي؟

بقلم نور -بسكرة-
تمت













القصيدة المتعبة :"مهزلة الدم"



خسرنا وانهزمنا...
 ومن الهزيمة ثملنا
حتى تراقصنا
 وسقطنا فوق فراش الندم
لنصحوا كأن لم يكن شيء
ونعيدها سيرتنا الأولى
عراة كالمرايا نسير
وجوف الظلام يحركنا
كل الاشياء تشبهنا
إلا نحن اصبحنا لا نشبه شيء
العرب والصمت...
 وجهان لتهمة واحدة
من يحكم في القضية؟
والقاضي خلف القضبان
والصمت حكم وجلاد
من المظلوم فينا ؟
الكل مهان
الكل مدان...
طالما الدم لنا عنوان
. . . .
تعرينا...
نعم تعرينا...
منذ أصبح الوطن عود كبريت
لا يهم
ايشعلنا ام نشعله
فنحن السيجارة
وهو العود المستعر
سنحرق بعضنا
وننطفئ
من المظلوم فينا؟
لم يعد مهم...
فكلانا ملك أصابعهم
سننطفئ...
ويداس علينا بأقدام
صارت اعلى من رؤوس
قد كانت في يوم لنا
. . . .

دخلنا سوق الكلام
واشترينا زيف الشعارات
وهتفنا وتعالت الاصوات:
بالدم سندفن العار
بالدم سنصنع مجد الاحرار
وامتلأنا بالدماء
سكرنا بالدماء
غرقنا في الدماء
 تبرعنا بالدماء
وتبرانا من الدماء...
ورغم ذلك
لم يمت فينا العار
لن يموت...
طالما الخوف لنا شعار
عذرا سوريا
عذرا بورما
عذرا عروبة
عذرا اسلام
سنصحو...
لكن حين تجف من عروقكم الدماء
ولتشهدوا
ستشهد ضدنا الدماء
. . . .
سخفا يقال الربيع اتى
مالي لا ارى اخضرار
كله بالأحمر
كل الفصول...
خريف وربيع
صيف وشتاء
حتى الضباب صار احمر
حتى السحاب صار احمر
مطر احمر
زرع احمر
وصمت احمر...
افيقوا يا عرب
فالذي يصب عليكم ليس بماء...

بقلم نور -بسكرة-